شريط الاخبار

عيد الأضحى،بين عبادة الروح وطقوس البطون ” دعوة ملكية تنبّه ومشهد اجتماعي يستدعي التأمل “

بقلم: محسن العموري

في خطوة استثنائية تعبر عن حس عال بالمسؤولية الدينية والاجتماعية، وجه جلالة الملك محمد السادس، رسالة سامية إلى الشعب المغربي يدعو فيها، بصفته أميرا للمؤمنين، إلى عدم القيام بشعيرة ذبح أضحية العيد لهذه السنة، نظرا للظروف المناخية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وفي مقدمتها التراجع الحاد في أعداد الماشية.
قرار ظرفي فرضته اعتبارات مادية و بيئية، محملا بفهم عميق لمقاصد الشريعة وروح الدين، ومستحضرا بشكل دقيق للمصلحة العامة، مع الحرص على رفع الحرج عن فئات واسعة من المواطنين.
الأمر واضح وجلي والقرار صائب وموضوعي ،والخاصة والعامة يدركون أن شعيرة الذبح عبادة جوهرها التيسير منطلقة من قاعدة “لا ضرر ولا ضرار”، لكن واقع الحال لدى البعض منا اليوم وليس الجميع، اختزل العيد في طقوس الأكل والشرب، لا في طقوس الطاعة والعبادة ،فتصاعدت هذه الأيام وثيرة البحث وشراء ما يعرف ب الدوارة بل إن البعض يتهافت لشراء الخروف لتصير “الدوراة” غاية ، ويختزل العيد بتجلياته التعبدية لموسم الاستهلاك والنهم فقط ،فيطفو العيد ويفقد عمقه ليتربع على سطحية المائدة.
إن هذا التهافت المبالغ فيه، فتح الباب على مصراعيه مرة أخرى أمام “الشناقة” وسماسرة اللحوم، الذين استغلوا الإقبال العاطفي على ” الدوراة ” لرفع أسعارها مرة أخرى، مستثمرين البعد الرمزي والاجتماعي للعيد في تحقيق أرباح سريعة.
بالأمس القريب انتقذ الجميع الوضع وثاروا على “الشناقة” ومنعدمي الضمير،ممن يتاجروا في البلاد والعباد في ظل أزمة معيشية طاحنة، يعاني فيها المواطنون من الغلاء والندرة،لكن اليوم أبى البعض إلا أن يحول هاته الشعيرة إلى سوق مفتوح وزكى “الشناقة” مانحا إياهم ومن والاهم أن يحيوا مرة أخرى وينعشوا ساحاتهم من خلال مضاربات تجارية،وفي المقابل يتباكى هذا البعض عن ارتفاع الأسعار ،ويتباهى البعض عن اقتناصه لـ “دوراة” بثمن أقل كما لو أنه حصل على صك الغفران وبطاقة إئتمان تعبر به لشط الأمان وترفع درجته عند علام الغيوب وكاشف السرائر وما تكن الصدور.
نحن اليوم أمام فرصة حقيقية تدعونا لإحياء المعنى، لإحياء جوهر العيد، فالعيد عبادة، العيد رحمة، العيد إنفاق في سبيل الله، وليس مهرجانا لتكديس اللحوم أو اللهاث وراء مظاهر اجتماعية جوفاء. العيد، في حقيقته، ليس صراعاً على “كبدة مشوية” أو “بولفاف” أو “راس مبخر”، بل هو وقفة إيمانية عميقة، تذكر بالتضحية الحقيقية، وتربي في النفوس قيم الزهد، والرحمة، والتكافل.
فإلى من تغيب عنهم المقاصد أحيانا، آن الأوان أن نعيد النظر في طريقة احتفالنا بعيد الأضحى، وأن نصحح النية وصدق الطاعة،عيد الأضحى هذا العام فرصة لنقلب المعادلة ، أن نعلي من قيمة الإنسان على الخروف، ومن معاني الرحمة على طقوس الأمعاء، ومن جوهر الدين على مظهره. فهل نستجيب لنداء العقل و الروح؟

شارك المقال شارك غرد إرسال