بينما تتواصل معاناة الفلسطينيين تحت وطأة العدوان الإسرائيلي والحصار المتجدد على قطاع غزة، تبرز مجموعة من الدول العربية بأدوار ميدانية ملموسة، تتجاوز حدود الخطاب السياسي إلى الفعل الإنساني والدبلوماسي، وفي مقدمتها المغرب ومصر والأردن.
في المقابل، يثير أداء بعض الدول الأخرى، وعلى رأسها الجزائر، جدلاً واسعاً بشأن طغيان المزايدات السياسية على العمل الميداني في دعم القضية الفلسطينية.
المغرب.. دعم إنساني ودبلوماسي متواصل
منذ اندلاع موجات التصعيد الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، كثّف المغرب تحركاته الإنسانية والدبلوماسية، في إطار التزامه التاريخي بدعم الشعب الفلسطيني والدفاع عن القدس الشريف.

فبأوامر مباشرة من الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، أُرسلت عدة شحنات من المساعدات الإنسانية إلى غزة، شملت أطناناً من المواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الطبية.
ووصلت هذه المساعدات عبر معابر خاضعة لإشراف منظمات دولية، ما جعلها من أول المساعدات العربية التي تصل فعلياً إلى القطاع خلال فترات حرجة.
إلى جانب الجانب الإنساني، يحافظ المغرب على دور دبلوماسي متوازن، يقوم على الدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مع تجنب المزايدات السياسية التي غالباً ما تُفقد القضية زخمها الواقعي.
كما تواصل الرباط، من خلال وكالة بيت مال القدس الشريف، دعم مشاريع اجتماعية وتعليمية وصحية داخل المدينة المقدسة، في إطار عمل مؤسساتي مستمر منذ عقود.
مصر.. المعبر الحيوي لغزة
لا يمكن الحديث عن الدعم العربي دون التوقف عند الدور المصري المركزي.

فمنذ بداية العدوان، فتحت القاهرة معبر رفح أمام قوافل المساعدات الإنسانية والإغاثية، وأشرفت على إدخال آلاف الأطنان من المواد الأساسية إلى القطاع، رغم التعقيدات الأمنية والضغوط الدولية.
كما تواصل الجهود الدبلوماسية المصرية مساعيها لوقف إطلاق النار وتثبيت الهدنة بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، في إطار دور تقليدي رسخته القاهرة منذ اتفاقيات التسعينيات وحتى اليوم.
ويرى مراقبون أن مصر توازن بين الواقعية السياسية و”الدعم العملي” عبر توظيف موقعها الجغرافي وقدراتها اللوجستية لخدمة الفلسطينيين.
الأردن.. صوت سياسي وذراع إنساني
في الضفة الشرقية، يتحرك الأردن بثبات ضمن إستراتيجية تجمع بين الموقف السياسي المبدئي والدعم الميداني.

فالمملكة الهاشمية، التي تتولى الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، تبذل جهوداً متواصلة لحماية هوية المدينة ودعم سكانها.
على الأرض، نفّذت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية سلسلة من القوافل الإغاثية والطبية الموجهة لغزة، بالتنسيق مع منظمات دولية، بينما يواصل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اتصالاته الدولية لتأمين حماية المدنيين ودفع عملية السلام إلى مسار عادل ودائم.
الجزائر.. خطاب مرتفع وفعل محدود
في المقابل، يتجدد النقاش في الأوساط العربية حول ما يُوصف بـ”الخطاب العالي والممارسة المحدودة” في تعاطي الجزائر مع القضية الفلسطينية.

فعلى الرغم من المواقف السياسية الصلبة والتصريحات المتكررة الداعمة للفلسطينيين في المحافل الدولية، لم تسجّل أي مساهمات جزائرية ملموسة في الإغاثة الميدانية أو الدعم الإنساني المباشر لغزة، بحسب تقارير إقليمية ودولية.
ويعتبر محللون أن الجزائر تكتفي غالباً بـ”البيانات والمواقف الرمزية”، دون ترجمتها إلى تحركات ملموسة، في وقت بات فيه الدعم العملي هو المعيار الحقيقي للالتزام بالقضية الفلسطينية.
القضية الفلسطينية بين الفعل والقول
يرى خبراء في الشؤون العربية أن المشهد الحالي يعكس تبايناً واضحاً بين الدول التي تتعامل مع القضية الفلسطينية بمنطق الفعل والمسؤولية، وتلك التي تستخدمها كورقة سياسية أو أداة للمزايدة.
ويؤكد محللون أن الموقف المغربي والمصري والأردني يشكل نموذجاً لما يُعرف بـ”الدعم الفاعل”، القائم على تقديم حلول واقعية ومساعدات قابلة للقياس على الأرض.
في المقابل، يظل الخطاب السياسي المجرد عاجزاً عن إحداث أثر حقيقي في حياة الفلسطينيين، خاصة في ظل تصاعد الأزمات الإنسانية داخل قطاع غزة.
بيانات وأرقام حديثة حول المساعدات المغربية والمصرية والأردنية إلى غزة
في 31 يوليو 2025، أصدر الديوان الملكي المغربي توجيهًا بإرسال حوالي 180 طناً من المساعدات الإنسانية والطبية إلى قطاع غزة، تشمل المواد الغذائية ومؤن الأطفال والأدوية والمستلزمات الجراحية، إلى جانب خيام وبطانيات.
في أغسطس 2025، أعلن المغرب عن حزمة مساعدات إضافية تُقدّر بـ 100 طن من المواد الغذائية والأدوية، ضمن مواصلة مبادرات الدعم الملكي المباشر.
تقرير لمنظمة الصليب الأحمر الدولية يشير إلى أن أكثر من 10,200 طنٍّ من المعونات الأساسية دخلت غزة عبر المعابر المصرية بالشراكة مع الهلال الأحمر المصري ومنظمات الأمم المتحدة.
في الأردن، أعلنت الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية (JHCO) أنها أرسلت حتى منتصف 2025 8,664 شاحنة مساعدات إلى غزة خلال عامين، شملت أكثر من 123 ألف طن من المواد الإغاثية والطبية.
في المقابل، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود نحو 170,000 طن من المساعدات الإنسانية الجاهزة للدخول إلى غزة، ما تزال بانتظار موافقات إسرائيلية على فتح المعابر.
في الوقت الذي تتباين فيه الأصوات والمواقف، تظل القضية الفلسطينية ميزاناً أخلاقياً وسياسياً يُظهر بوضوح من يساندها فعلاً ومن يوظفها شعاراً.
وبينما تُواصل الرباط والقاهرة وعمّان جهودها العملية والإنسانية، يأمل الفلسطينيون أن يتحوّل التضامن العربي من بيانات إعلامية إلى شراكة فعلية تُخفف المعاناة وتُبقي الأمل قائماً في مستقبلٍ عادلٍ ومستقر.
