شبكة رصد المغربية
في صمتٍ ثقيل، تتحول آلاف الأسر المغربية إلى ساحات توتر.
الأب يكدح من أجل أقساط البيت، والأم تعمل فقط كي تدفع أقساط مدرسة الأطفال.
أما الأطفال، فغالبًا لا يعلمون أنهم صاروا الثمن.
الثمن الذي يدفعه الجميع مقابل ما يُفترض أنه “حق”: التعليم.
ما الذي أوصلنا إلى هنا؟
كيف تحوّل التعليم الخصوصي من خيارٍ إلى إجبار غير معلن؟
لماذا لا يُصلَح التعليم العمومي؟ ولماذا الدولة تدفع المواطن نحو “فم الأسد”، بلا اختيار ولا بديل؟
ليست المشكلة في وجود مدارس خصوصية.
المشكلة في أن التعليم العمومي فقد ثقة الناس، فاختنق الفقير، وتألّب المتوسّط، وانفجر البيت من الداخل.
تحوّلت المدرسة إلى معركة اقتصادية، لا تربوية.
وأصبح مستقبل الطفل مربوطًا بجيوب والديه، لا بعقله واجتهاده.
نعم، هناك مدارس عمومية نموذجية، وأناس تخرّجوا منها ونجحوا وتألقوا.
لكنها تبقى نماذج استثنائية، لا تعكس واقع الأغلبية.
فماذا لو كانت القاعدة هي الجودة؟
ماذا لو أصبح التعليم العمومي يستحق اسمه فعلًا؟
ماذا لو قررت الدولة أن تنهض بالمدرسة العمومية، لا من باب الإحسان، بل من باب المسؤولية؟
بل أقترح، بكل وضوح:
لا يجب أن يتولّى أي وزير أو مسؤول حكومي منصبًا، إلا إذا كان أطفاله يدرسون في التعليم العمومي.
هكذا فقط سيفهمون عمق الأزمة، وسيُضطرون لإصلاحها.
لأن من يعيش المشكل، لا يستطيع تجاهله.
لقد رأينا كيف مرّت شهور من الإضرابات، وكيف ضاع الأطفال في الشوارع، دون أن يتحرك الضمير الرسمي.
الأسرة تُركت وحيدة، تُسابق الزمن، وتعيش الرعب من “سنة بيضاء”، بينما الدولة صامتة.
هل يعقل أن يكون هذا هو التعامل مع مستقبل أمة؟
في دول مثل فنلندا، التعليم العمومي هو الأفضل، ولا وجود تقريبًا لمدارس خصوصية.
في فرنسا، رغم كل الانتقادات، لازال التعليم العمومي قويًا وفعّالًا في تكوين الأطر.
حتى دول في إفريقيا بدأت تستثمر في التعليم كأولوية حقيقية، لا كشعار انتخابي.
نحن لا نطلب المستحيل.
بل نطلب فقط أن تعود الدولة إلى جوهر دورها: أن توفّر تعليمًا عموميًا مجانيًا، محترمًا، ذو جودة، يُشرف المواطن ويُحرج الخصوصي.
لأن ما نعيشه اليوم ليس تعليمًا، بل مقايضة مؤلمة.
من جهة، أسرة تنهار كي تضمن مستقبل طفلها.
ومن جهة أخرى، دولة تتفرج، وتكتفي بلعب دور المتفرج الصامت.
إمضاء : رشيد الوالي
مواطن مغربي وأب غيور على أبناء وطنه .